شيء

عقب سيجارة أخر ينضم لسابقيه في منفضة السجائر الجاثمة على منضدة صغيرة قرب سريرك، أشبه بحلبة رومانية تصطف فيها الأعقاب لأداء طقسٍ ما، طقس مارسته رئتاك بنهم وحشي طيلة الساعة الماضية. تعصف بعقلك العديد من الأفكار والتساؤلات المختلفة، تتلقفك في ما بينها كأمواج بحر ثائر، زمهرير الرعد يخسف بقلبك فيهوى وتهوى أنت معه لباطنك. تتشابه الساعات والدقائق، حتى أضحت أيامك كأنها يوم واحد لا تعلم متى بدأ ولا متى سينتهي. تحاول طمأنة نفسك أنها مجرد هلوسات، ثم تتذكر أن الهلوسة تمنع من تنتابه عن معرفة كونها هلوسة، فتتمنى لو أنك كنت مريضًا يعاني نوباتها، على الأقل ستلقي ببعض حملك على عاتقها.

تسكر، والألم يكبر. تحترق وتختنق. لا تدري أأنت المعذّب الوحيد على وجه البسيطة والذي يتجرّع آلام تفكيره في علّة وجوده أم يوجد غيرك لكنك لا تشعر؟ كيف لك أن تعلم بوجود غيرك وأنت غير قادر على إثبات نفسك؟
تتلو اللعنات على روحك كصلاة، وتقف في صف جلادك فتؤذي نفسك أكثر. تتأرجح بين إثباتك لوجودك ونفيه! تحاول الجمع بين النفي والإثبات وخلق حالة هجينة كتلك التي تحتل عقلك لكنك تعجز. تتمنى لو كان بالإمكان أن يُشلّ عقلك، وتتساءل ما السبيل. خيار الانتحار ليس واردًا فقد انتحرت روحك منذ زمن، أما جسدك فهو أجبن من أن ينهي وجوده. تلعن نفسك مجددا، فلا عقيدة ولا إيمانا يمنعك من تمني الموت بالرغم من اعتناقك لدين يحرّم تمنّيه، وما كففت عن الدفاع عن دينك في زمن يبدو الآن سحيقا. وابل التساؤلات يعصف بك، هل يمكن أن تكون حياتك مجرّد حلم وأن وجودك ما هو إلا محض وهم يحاكيه كيان أخر؟ تهذي وتدري الآن أنك تهذي وترغب بالتوقف عن الهذيان لكنك لا تقدر. تتمنى لو أنك شخصية خيالية يكتبها أحدهم ليتخلص بدوره من هواجس تنتابه، تدرك أن أمنياتك قد تضاعفت ولا يتحقق أي منها، فتغمض عينيك كطفل صغير على أمل أن يتلاشى كل شيء.

“أأنا شيء؟” تسأل نفسك. تصعق. ويبتعلك ظلامك.
لا يبقى منك سوى ما أقوم أنا بنقله ونقر حروفه الآن.

5 أفكار على ”شيء

  1. ربما قلة من يهلوسون بهذا العمق، ربما الكثير يرون اليها “من فضول الكلام” ولكن كوني على ثقة هناك من يشاركك الشعور 😉  
    #شارك_هلوستك #التمس_وجودك

    Liked by 1 person

    1. أحبّ الاعتقاد أن حدسي بخصوص هوية من قام بكتابة هذا التعليق صحيحة، لكن فليبقى طي الكتمان، وأشكرك بصدق لتعليقك وتعقيبك على ما كتبت أيًّا كنت 🙂

      إعجاب

أضف تعليق